09 January 2012

عقود الخصوصية والمنتجات التقنية
بحث في أهمية مراجعة وتحليل عقود وبنود الخصوصية التى تحكم استخدامنا للمنتجات التقنية


- هناك مصطلح قانوني متداول في أدبيات حماية المستهلك وهو Unfair Terms in Consumer Contracts, ولكن الكثير منا يغفل عن الاهتمام بتحليل عقود الاستهلاك لإبراز مثل هذه الشروط, ففي أطروحتي حاولت البحث عن هذه الشروط في عقود الترخيص باستخدام البرمجيات, ولكن المقام هنا ليس لذكر موضوع أطروحتي, ولكنى دائماً لدى هاجس لماذا لا يكون لدينا جهة مستقلة لها صلاحيات فعلية مكونة من خبراء قانونيين واقتصاديين مثلما أعطت المادة 32 من قانون الاستهلاك الفرنسي لمجلس الدولة conseil d’état سلطة تحديد الشروط التعسفية في عقود الاستهلاك بعد استشارة لجنة الشروط التعسفية.
- ولعل قيام المشرع الفرنسي بهذا الإجراء جاء بعد زيادة استخدام العقود النموذجية في إبرام التصرفات القانونية بين الشركات والمستهلكين, والتي تحتوي على كثيرٍ من الشروط الغير منصفه أو التعسفية, ولكن منتجات التقنيات الحديثة مثل الهواتف الجوالة والحواسيب والكاميرات الرقمية تأتى مرافقةً لعقودٍ غاية في الخطورة لأن استخدام هذه المنتجات ترتبط أكثر بالخصوصية لكل منا.
- فمثلاً قيامنا باستخدام هاتف جوال Mobil Phone من إنتاج شركة وليكن HTC  أو Apple, تنص في عقد بيعها لهاتفها على أنها لها الحق في الاستفادة من البيانات المتحصلة من مراقبة نشاطك  Activitiesفي تحسين منتجها أو بيع هذه المعلومات لشركاتٍ أخرى, ولعل فضيحة Carrier IQ والضجة التي حدثت حين الكشف عن نشاط هذه الشركة لهو أبلغ رد على مدى أهمية وحساسية ومدى تعقد بنود عقود المنتجات التقنية.
- فيمكن وبكل بساطة مراقبة سلوك أمة كاملة أو شعب كامل ( كالأمة العربية أو الشعب المصري أو السعودي مثلاً ) عن طريق إرفاق برنامج صغير جداً مثلما كان الوضع مع شركة Carrier IQ وتقنيتها المثيرة للجدل والتي ستتكشف الكثير من الأمور قريباً عنها, والسؤال الآن أليس الأوان قد حان لجهات حماية المستهلك في دولنا العربية للاهتمام بتحليل عقود استخدام البرمجيات لهواتفنا الجوالة وحواسيبنا وأجهزة الملاحة لسيارتنا, فكل هذه الأجهزة مرتبطة معظم الوقت بشبكات مثل الانترنت او شبكة الهاتف الجوال......
- بل إن قيامنا باستخدام شبكة الانترنت يجعلنا ندخل في علاقاتٍ قانونية متعددة بدءاً من استخدام محرك البحث مثل جوجل www.google.com أو ياهوو www.yahoo.com, مروراً باستخدام خدمات البريد الالكتروني مثل Gmail أو Yahoo Mail, كذلك المنتديات العربية والأجنبية والتي تتعدد شروط وبنود عقود استخدامها ( والتي جميعنا يجب أن يوافق عليها بالضغط على الزر الأكثر انتشارا على الانترنت وهو زر I Agree ).
- هناك أيضاً مواقع الفيديو مثل YouTube و Vimeo, وهناك مواقع التواصل الاجتماعي والتي بدأت الانتشار كالنار في الهشيم في الفترة الأخيرة كنتيجة للربيع العربي, ولعل موقع Facebook هو من أكثر المواقع انتشارا بعدد مستخدمين أكثر من 800 مليون, منهم أكثر من 350 مليون يستخدموا هواتفهم في الولوج إلى الموقع, وهناك الكثير من الخدمات والمواقع التي نتعامل معها ليل نهار والتي تشترك جميعها في وجود عقود قانونية تحكم استخدامها وتحدد المعلومات التي تجمعها عن مستخدميها وكيفية الاحتفاظ والتصرف في مثل هذه المعلومات والتي تعد كنز لكل الشركات فنحن في عصر المعلومات وكل معلومة لها فائدة وثمن.
- إذن متى نفيق من غفوتنا التي طالت, لكل نحمى أمتنا من العدو الذي يترصد بنا, والبداية أن نحلل كل العقود وخاصة عقود الخصوصية Privacy لمثل هذه المواقع والخدمات والبرامج, ثم نطالب مقدمي هذه الخدمات والمواقع باحترام قوانيننا بما يحقق حمايةً لخصوصية الأفراد والمؤسسات في بلادنا, ولعل الاتحاد الأوروبي ودول أخرى عديدة أبرز مثال لنا في هذا الخصوص, حيث دائماً يحللوا عقود مواقع وخدمات مثل facebook وغيره, ويطالبوا هذه المواقع بمراعاة القوانين المحلية بما يحقق حماية لخصوصية مواطنيهم وحقوقهم.

- في أغسطس عام  2011 قالت ولاية Schleswig-Holstein الألمانية أن زر like الموجود في موقع facebook ينتهك قوانين حماية الخصوصية الألمانية, وليس ذلك فحسب بل إن هيئة مراقبي البيانات الألمانية German data watchdogs ( وهى وكالة إقليمية ألمانية تعمل على حماية البيانات) أمرت الوكالات الفيدرالية الألمانية بإغلاق صفحاتهم على موقع facebook وإزالة المكونات الإضافية social plug-ins من مواقعهم مثل زر like  المرتبط بالموقع المذكور, لكونه ينتهك قانون Germany's Telemedia Act, وقانون Federal Data Protection Act أيضاً, لأن البيانات التي يتحصل عليها الموقع تُنقل إلي الولايات المتحدة الأمريكية, ولعل هذا القرار هو ابلغ رد على مدى ضرورة قيام كل دولة بالحفاظ على سيادتها القانونية على الانترنت وإلا تحولت الانترنت إلى دولة داخل الدولة., ( سأقوم إن شاء الله قريبا بتحليل لهذه القضية على المدونة لكونها تمثل واحدة من السوابق القانونية في عقود الخصوصية على مواقع التواصل الاجتماعي ).
- أيضا كانت هناك قضية برنامج وخدمة Google  Street View program في ألمانيا, وكانت تدور فى نفس السياق, وهو البيانات التى تتحصل عليها Google ومدى مخالفة ذلك لقوانين حماية الخصوصية.
- وبالطبع فإن مسألة الحرية والسلطة والصراع بينهما امتد الآن إلى الانترنت, ولكن السلطة مهما كانت مقيدة فإنها تساعد على إقرار النظام الذي يحافظ على المجتمع, فمجتمع بدون سلطة هو مجتمع بدون نظام, ومجتمع بدون نظام هو مجتمع بوهيمى يشيع فيه قانون الغاب.
- كلى أمل الآن أن يتجه الباحثون في مجال القانون والتقنية إلى الإهتمام بدراسة عقود المعلوماتية ( العقود المرتبطة بالمنتجات التقنية ) وخاصة عقود الخصوصية, لما لها من تأثيراتٍ بالغة الأهمية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية, ولكي لا نكون دول بدون نوافذ, فسيادتنا يجب أن نحافظ عليها في البيئة التقليدية والافتراضية أيضاً.

No comments:

Post a Comment